غبت طويلًا عن الكتابة إليك يا "رفعت"، مضى شهر تقريبًا منذ كتبت خطابي الأخير. حاولت مرارًا أن أكتب لك عن الرضا الذي يسكنني، أو بمعنى أدق يغمرني ولكنني فشلت. شعرت بأن أي كلام أكتبه مبتذل. أحببت أن أمتلئ بهذا الشعور للأبد وخشيت أن أكتبه فيتسرب مني.
أعرف أنني حين أكتب عن حزني أغسل نفسي منه، أفرغ منه قليلًا لأنه لم يعد داخلي متسعًا للمزيد، ويبدو أننا لهذا السبب نبخل بالكتابة عن السعادة. كل ما أتمناه يا "رفعت"، أن أكتب عن فرحي بالصدق نفسه الذي أكتب به عن الحزن. وأن يستقر فرحي في أعماق قلبي تمامًا مثلما يستقر الحزن، ولكنني أعرف أن السعادة شعور سريع التبخر والتلاشي حتى أنني لا أحب أن أعتبر ما أشعر به الآن سعادة، فأفضل الرضا لأنه أسمى وأبقى ولا يخلو أيضًا من بعض الحزن الرقيق.
أشعر أن السعادة موصومة دائمًا بالوهم، نتوهم أنهم كما نظنهم فنسعد لذلك، ونتوهم أن ما نعيشه يدوم ونسعد لذلك، ولكن الرضا يحمل ذلك الصدق الناضج، نعلم أنهم ليسوا تمامًا كما نريد ونرضى، نعلم أن كل ما نعيشه مؤقت لا محالة ونقنع بهذا القليل الذي نتمتع به.
رددتُ لنفسي كثيرًا بيت الشعر "وأؤمِنُ أنَّ أعوامًا عِجافًا.. يعوِّضُها القليلُ مِنَ الثوانِي"، ولكنني وقتها لم أكن "أؤمن" يا "رفعت"، كنت أحلم بأن يعوضني الله عن أعوامي العجاف بالقليل من الثواني. الآن يا "رفعت"، فقط جربت وآمنت.
لا أعرف يا "رفعت"، كيف رد الله لي روحي التي تسربت مني قطعة قطعة.. عادت كما ذهبت دون أي تدخل مني. في البداية داخلني الخوف من أن أفقدها مجددًا، ولكنني بعد بعض الوقت، والتفكير ربما أو بدون سبب ربما، وجدتني راضية. راضية بوجودها وقانعة بأنها لن تدوم طويلًا، ومتقبلة ذلك.
لا أعرف ماذا تغير يا "رفعت" مؤخرًا، ربما ما تغير هو أنني غادرت قوقعتي قليلًا؟ أم أن حجابًا بيني وبين كل ما يمكن أن يمدني بالثقة انكشف..
بمناسبة القوقعة التي غادرتها يا "رفعت"، رأيت في الأيام القليلة الماضية عددًا من الناس أكبر مما قابلته ربما خلال 4 سنوات مضت. كنت أشاهد الدنيا كما لو أنني طفل يغادر بيته للمرة الأولى، رغم أنها ليست المرة الأولى، ورغم أنني لست طفلة.
كل الوجوه التي قابلتها يا "رفعت"،كنت أبحث فيها عن شيئين لا أكثر.. الرضا والصدق. رأيت الأول كثيرًا على عكس ما توقعت، ولكنني احترت كثيرًا في الصدق يا "رفعت". للمرة الأولى أشعر أنه أحيانًا ما يكون الإفراط في الصدق كذبًا - هذا التعبير ليس دقيقًا لكنني لم أجد غيره - أعني أنه حين تكون طبيعيًا في ظرفٍ استثنائي فأنت بالتأكيد غير طبيعي.
رأيتُ أيضًا ما لم أبحث عنه يا "رفعت"، انكسار الآخرين الذي تكون شاهدًا عليه لدرجة أن تشعر بأنك متورط فيه، تود لو تبلعك الأرض ولا تستمر في هذا الموقف دقيقة أخرى، ثم تشعر بأنك أنت أيضًا منكسر لأنك مضطر للتورط في كسره، كذلك الجندي المكلف بتعذيب متهم لا يعرفه، ويعرف أنه لو لم يعذبه سيكون مكانه.
بالمناسبة يا "رفعت"، قائمة أحلامي أنجزت بالكامل، بما في ذلك أحلامًا ظننتها مستحيلة. وأخيرًا بعد 5 أعوام أو أكثر سأضع قائمة جديدة، لن أفكر طويلًا في كيفية تحقيقها.. ولن أفكر أبدًا في المنطق ;)
1 May 2016
0 تعليقات