إنه الاكتئاب يا "رفعت"، أصبحت أعرفه جيدًا. الغرفة المظلمة، والهروب إلى الشاشة، والرغبة في الاختباء داخل أي فيلم أحبه أو حتى لا أحبه، المهم أن أضيع في أي مكان. الرغبة في الهروب من السيء حتى ولو للأسوأ، المهم أن يحدث أي تغيير. تمني الدخول في غيبوبة طويلة لعليّ أستيقظ وأجد شيئًا تغير.
بمناسبة التغيير يا "رفعت"، ألاحظ في الفترة الأخيرة، منذ قررت أن أنتبه للإشارات، أن كل شيء حولي يحرضني على التغيير، وأنا مرة أخرى أتأكد أنني أجبن منه.
ذلك الجوع للأمان يجعلني أتشبث بأي حال استقرار حتى لو كان استقرار على وضعٍ سيء. حتى لو كان ذلك استقرار على بركانٍ من نار أجد نفسي أكسل من أن أنهض وأبتعد، وأفضل دائمًا أن أبقى في مكاني وأتعذب.
أحيانًا أشعر أنها رغبة لا إرادية في تعذيب الذات، أنني أستمتع بهذا الموضع حيث أشعر بالظلم أو بالمعاناة وكأنني أشعر أنني لا أستحق الراحة.
وأحيانًا أشعر أن هذا عرض آخر للاكتئاب لا أكثر ولا أقل. أو أن هذا جانب كريه من شخصيتي لا أكثر ولا أقل وأنا أنكره بمنحه هذه المبررات الكبيرة الأكبر من حجمه الحقيقي.
اكتشفت مؤخرًا يا "رفعت"، أنني أحيانًا أرتكب الخطأ الذي أكرهه لأجله. أنا أحيانًا أحب مقعد المتفرج، أحب أن أشاهد الأحداث تدور حولي دون أن أتدخل بها أبدًا، حتى لو كان بعضها يخصني. أستمتع بالاستسلام التام بأن أترك الأقدار ترسلني حيث تشاء، كأنها تحدٍ في لعبة الفيديو التي أحبها، أريح نفسي فيها من عبء تحديد أعدائي وموضع المعركة وأترك للكمبيوتر كل شيء وأتحدى نفسي في أنني مهما كان الوضع عشوائيًا وغير مخطط له سأنجح في تخطيه.
نفس المتعة التي أشعر بها حين أستمع للراديو وأتركه يحدد لي الأغنيات التي أسمعها، وأجبر نفسي على تحمل أغنيات لا أحبها.
وهي المتعة نفسها التي أشعر بها حين أسافر على الطريق وأنا أعلم أنه ما من شيء في يدي، أنني أتنازل عن حريتي في الاختيار واتخاذ القرارات والمبادرة بأي تصرف بمجرد أن أجلس على كرسي سيارة الأجرة، ونترك جميعنا للسائق زمام الأمور.
جزء من حبي لمقعد المتفرج يا "رفعت"، يرجع إلى شعوري بعدم القدرة على الانتماء لأي شيءٍ أو شخص، وجزء أخر يرجع إلى شعوري بعدم اليقين بأي شيء، أنا أعلم تمامًا أن ما أراه ليس الحقيقة، وما يرونه ليس الحقيقة، وكل ما يحدث هو مباراة بين مجموعة من الحمقى معصوبي الأعين يظنون أنهم يرون حتى ما وراء الجدران، وحين أجلس على مقعد المتفرج أستمتع بالضحك على سذاجتهم، وأنأى بنفسي عن المشاركة في اللعبة.
مرة أخرى لا أعرف هل هذه طفولية زائدة أم نضجٍ زائد. ومرة أخرى أشعر بأنني لا أبالي يا "رفعت". لا شيء يهم، فلن يتغير شيء إن عرفت، وأنا لن أتغير حين أعرف.
هل تعرف يا "رفعت"، أكثر ما أحبه في اكتئابي؟ أن رسائلي إليك تصبح أكثر طولًا، وأنا أشتاق إليك بقدر ما أشتاق لنفسي.
وثاني ما أحبه في اكتئابي؛ هو أنه يمنحني ذلك القدر الكافي من اللامبالاة التي تجعلني أترك كل ما يجب أن أفعله وأكتب إليك يا "رفعت".
16 June 2016
0 تعليقات