كان ذلك في يناير يا "رفعت"، أذكر كل ما حدث تلك الليلة بالتفصيل. كنا نعرف أن زيارته، مهما طالت، ستكون عابرة! ورغم ذلك لم أصدق أبدًا أنه رحل. بكل سذاجة وعناد وجنون أخذت أضمه وأحدثه، أهز كتفيه، أجرب ذلك البخاخ الذي كان يدسه في فمه ليمنحه، بالتقسيط، ما تبقى له من أنفاس في الدنيا.
كالعادة كنت متمسكة بأمل ساذج وغير منطقي يقول لي إنه سيكون على ما يرام، كررت ذلك مرارًا بثقة لا أعرف كيف توهمتها، كيف توهمت أنه بمجرد رفضي القوي لشيء مفزع كهذا لن يحدث أبدًا!
أرسلوا في طلب الطبيب فلم يأتِ، عدوى الرفض التي انتابتني سيطرت على إخوتي، وأصر أخي على نقله للمستشفى، بينما كان يستعد للمغادرة، تقول أمي أن ندائنا عليه ردّ فيه الروح مرة أخرى، نظر إليّ في عيني، نظر لنا جميعًا نظرة الوداع، ثم رحل للأبد!
واصلت الرفض، دفست رأسي في الوسادة وبكيت حتى غرقت في النوم، رفضت أن أستيقظ وأودعه، بينما كانوا يجهزونه للرحيل، كنت نائمة، أحلم به، أجلس معه في الغرفة وأقنع نفسي أن ما من شيء قد حدث!
رفضت أن أقبله للمرة الأخيرة أو ألقي عليه النظرة الأخيرة، فضلت أن أقضي تلك اللحظات معه، مع روحه، لا جثته!
في مارس تكرر السيناريو بشكل مختلف، حين أخبرني أنه أصيب بالسرطان رفضت أن أصدق، أنكرت الأمر بالهيستريا نفسها، أخبرته وأخبرت نفسي مرارًا أنه لن يموت، أنني لن أذوق أبدًا هذا الوجع! وكأنني أظن الحياة تطلب رأيي ورفضي لمجرد التفكير في الأمر يعني أنه لن يحدث أبدًا!
حين اختنق الحب ببطء كنت أرفض التصديق، كنت أرفض أن هذا سيحدث، أنكره بشدة ولا أسمح لنفسي بالتفكير فيه، حتى تحلل الجثمان أمام عيني وأنا لا أزال أراه جيدًا وبخير، لم أدرك الحقيقة إلا حين حاولت التمسك به، ووجدت أصابعي تقبض على الفراغ.
هل تظنني تعلمت يا "رفعت"؟ بالطبع لا! حتى هذه اللحظة حين قرأت صديقة تكتب أن والدتها ماتت إكلينيكيًا والأطباء يرفضون فصلها عن الأجهزة لترحل بسلام ضبطت نفسي متلبسة أكتب لها، بالسذاجة نفسها أو قل بالحماقة نفسها، ربما لا يزال هناك أمل! متى أكبر يا "رفعت"؟
2 Feb. 2017
0 تعليقات