"أنا تعبت ومش عايزة أكمل" أعود بالذاكرة لأحصي كم مرة رددتها بيني وبين نفسي وكم مرة قلتها في الواقع؟ لم أقلها أبدًا يا "رفعت". لو قلتها مرة واحدة لتغير الكثير، لشعرت ولو لمرة على الأقل، أنني لست أقسى من الآخرين على نفسي.
كنت يا "رفعت"، أعرف دائمًا الحدود الفاصلة، أعرف أين ينبغي أن تنتهي القصة، ولكنني أستمر لأنني كنت دائمًا أختبر حدود صبري، أختبر حدود احتمالي وطاقتي. كنت - بسذاجة - أبتسم برضا حين أكتشف أن بوسعي التحمل أكثر، ولا أعرف أن كل هذه الصخور على صدري تفتت أقدامي.
في كتابٍ عن الابتزاز العاطفي، أدركتُ أنني وقعت ضحيته مرارًا. شعرت بالسخط، ثم بالفزع حين اكتشفت، بعد بضعة صفحات أنني مارست ضد نفسي الابتزاز الذاتي أكثر ربما مما مارسه الآخرون ضدي. كتبت مؤلفة الكتاب: "الابتزاز أحيانًا يتطلب شخصًا واحدًا؛ إذ يمكننا بسهولة القيام بكل عناصر الابتزاز وحدنا، ابتداءً من الطلب مرورًا بالمقاومة والضغط والتهديدات؛ فنكون بمثابة المبتز والمستهدف في الوقت نفسه. وهذا يحدث عندما يكون خوفنا من الرد السلبي للآخرين قويًا، ويسيطر علينا خيالنا فنفترض أننا إذا طلبنا ما نريده، فإنهم سينتقدوننا، وسينسحبون وسيغضبون ونتمسك بحماية أنفسنا لدرجة أننا لا نقدم على أية مجازفة، حتى المجازفة البسيطة المتمثلة في سؤال الشخص الآخر "ما رأيك إذا قمتُ بـ....."
نعم يا "رفعت". احترفت ممارسة الابتزاز الذاتي ضد نفسي من الطفولة وحتى الآن. في كل مرة كنت أتظاهر فيها بأنني ناضجة وعاقلة وأحسب خطوتي جيدًا، في كل مرة كنت أتخيل أنني أحمي كرامتي من الرفض، وفي كل مرة كنت أتحامل على نفسي كي لا أخذل الآخر، حتى لو كان هذا الآخر هو ذلك البائع الذي لا أعرف اسمه، ولكنه يلمح إلى أنه يتوقع مني أن أشتري 3 كيلوجرامات من البطاطس لا كيلو ونصف فقط مثلما أحتاج!
الأسوأ يا "رفعت"، أننى لا أكتفي بما أفعله بنفسي، بل أتوقع من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه، كمجاملة بسيطة لي، ثم أغضب حين لا يفعلون.
أغضب حين أجد نفسي وحيدة، حين لا يحاول أحدهم المساعدة وأنا في قاع تلك الهاوية وأنسى أنني في الأساس لم أصرخ، أنني خفت ألا يمد أحدهم يده فأشعر بالإهانة، فابتلعت هزيمتي في صمت وقررت أن أتعامل معها وحدي.
صديقتي أرسلت لي يومًا تلك المقولة لـ "محمد عفيفي": "في استعراضي للذين خذلوني في حياتي، أجد نفسي مضطرًا للاعتراف بأن أحدًا لم يخذلني مثلي" هذا بالضبط ما اكتشفته مؤخرًا يا "رفعت".
أنا تعبت يا "رفعت"، ولكنني، كعادتي، سأكمل.
12 March 2017
0 تعليقات