قلبي ممتلئ بالكتابة يا رفعت وتعلمت من شهور الجدب الطويلة أن أطيعها فورًا وإلا تخاصمني أكثر مما يمكنني أن أحتمل. "فيسبوك" يذكرني منذ أيام بأن "سترة النجاة تحت مقعدي" بينما أفكر لماذا في كل مرة أنتظر تلك الركلة التي تطردني بعيدًا عن الجحيم ولا أبادر أنا بالمغادرة في الوقت المناسب. لماذا أفضل دائمًا أن أستنفد كل الفرص؟
أتذكر كلمة قديمة قالها شخص ألعنه لأجلها حتى الآن "أنا دايمًا رد فعل عمري ما ببادر بإنهاء أي حاجة" أعرف أن هذه المماطلة سخيفة جدًا ومزعجة ولكنني رغم كل شيء لا أتمكن من مقاومتها. يطاردني شبح الكلمة إلى حد التهور أحيانًا في المبادرة بتصرفات تجعل صديقتي تعتبرني "متهورة" ولكنني أتقبل كل شيء في سبيل ألا أكون أمام نفسي بهذه السلبية. في المقابل، أجبن أمام القرارات الكبيرة وأنتظر دائمًا الركلة إياها.
وأنا أصغر سنًا كنت أقول لنفسي وللآخرين، أنني أكره الروتين، أكاد أموت مللاً لمجرد تخيل نفسي أكرر تفاصيل اليوم نفسه يومًا بعد آخر. ولكنني منذ سنوات اكتشفت أنني بشكل ما أحب الأمان الذي يمنحنا الروتين إياه بعيدًا عن أية مفاجآت غير سارة وصادمة، وبعيدًا عن القلق من ترقب الجديد طوال الوقت. حتى لو كان هذا الجديد سارًا ومدهشًا.
يراودني الآن شعور تلك الطفلة في فيلم The Glass Castle ترحالها المتكرر وشعورها الدائم بأنها لا تنتمي لأي أرض وأنها تتمنى لو تحظى بحياة تقليدية رتيبة. اختار لهم والدهم حياة فريدة من نوعها، نشأوا شخصيات مميزة ولكن الحياة كانت قاسية جدًا عليهم والأسوأ من كل هذا أنهم لم يملكوا أبدًا الخيار. يراودني كذلك شعورها بالارتباك، حين كبرت وعرفت كم كانت تلك القسوة مفيدة جدًا لها، كم جعلتها شخصية فريدة ذات خبرات مدهشة، ولكنها رغم ذلك عاجزة عن التسامح مع ما عاشته، مع فكرة أنه لم يكن لديها خيار.
أحيانًا ما تكون مواقفنا الصبيانية مريحة يا رفعت. يفيدنا أحيانًا أن نتحلى ببعض الأنانية وألا نملك تلك الموضوعية التي تجعلنا نرى الأمر من كل الزوايا ونضع أنفسنا مكان الآخر، نتفهم موقفه ودوافعه ونشفق عليه ونعجز عن كراهيته بشكل مطلق أو الغضب منه. هذا الشعور متعب جدًا؛ نتمزق بين الغضب لأنفسنا والتسامح مع الآخر وعدم القدرة على صب اللعنة عليه وتصوره شيطانًا خالصًا لأننا نعي تمامًا أنه ليس كذلك. نشعر ببعض الحنق حين نضطر في النهاية للتسامح مع هذا الآخر لأننا ننعم ببصيرة لم يحظ بها وتفهم لم يملكه.
0 تعليقات