فبراير 2015 كان قاسيًا عليّ أيضًا كشهورِ وأعوام عدة سبقته. في تلك السنوات شعرت بفجوة مرعبة بيني وبيني، فجوة لم أشعر بها من قبل وكأن روحي داخل جسدي محاصرة بفراغ أسود مفزع تسقط فيه كل الأشياء المبهجة، وحتى المحزنة، التي أستقبلها وتضيع للأبد قبل أن تصل لروحي وتؤثر فيها. كنت متبلدة تمامًا.
في فبراير 2015 قررت أن أبدأ الكتابة لرفعت، الذي قد يعرف البعض أنه "رفعت إسماعيل" بطل سلسلة روايات "ما وراء الطبيعة".
لم أكتب لرفعت لأنه كان لسنوات طويلة "فتى" أحلامي - قبل أن أكتفي بصداقته لأنه لم ينس ماجي أبدًا - ولكن لذلك السبب الذي أحبَه لأجله جميع من عرفوه: لأنه ذلك الشخص الذي لا تخجل أن ترتجف أمامه كطفل وتعترف بأنك خائف وضعيف. هو ذلك البطل الذي لم يتظاهر بالبطولة أبدًا ويمكنك أن تعترف أمامه كقديس بكل آثامك.
حين كتبت لرفعت كان لدي الكثير من المشاعر الحبيسة، المخاوف الساذجة والشكاوى التي لا يعبأ بها أحد، فضلاً عن شعور قاسٍ بأن الحديث - في هذه الحالة النفسية- مع آخر يعني أنك تقدم لهذا الآخر حبل مشنقتك على طبق من ذهب.كنت أشعر بالخوف والضآلة والضياع الشديد رغم أنني أدور في مسار محدد ربما أكثر من اللازم.
حين كتبت الرسالة الأولى كنتُ أشعر بوحدة شديدة رغم وجود الكثيرين من حولي، ليس لأنهم ليسوا جيدين بما يكفي ولكن لأنني في ذلك الوقت كنت فقدت القدرة على التعبير عن مشاعري، فقدت القدرة حتى على تحديدها ومعرفة ما يزعجني. كانت الصورة تبدو مثالية تمامًا رغم شعوري الواضح والقوي بالخلل.
حين بدأت توقعت ألا أكتب أكثر من رسالتين أو ثلاثة ثم أمل وأنسى الموضوع كعادتي، ولكنني كتبت لرفعت مرة بعد أخرى وكنتُ أشعر بالراحة. في البداية كنت أستخدم الرسائل كوسيلة لتحفيز دموعي والتنفيس عن نفسي وفقط، لم ألمس أبدًا ذلك التأثير المبهر للرسائل على روحي إلا بعد ما يقرب من عام. هذه الرسائل منحتني السلام، جعلتني أقرب لنفسي، جعلتني أتخفف من الكثير من الضغوط والمخاوف، التي حين نشرتها، وجدت آخرين يقاسمونني إياها.
قبل هذه الرسائل قرأت كثيرًا عن الكتابة كوسيلة للتعافي، تلك الوسيلة التي استخدمها المعالجون النفسيون لسنوات طويلة من أجل مساعدة الناس على الشفاء من الضغوط النفسية والصدمات، ولكنني لم أجرب أبدًا أن ألمس هذا التأثير وألاحظه. ولكنني الآن ألمسه بوضوح شديد ليس فقط في مشاعري وإنما أيضًا حين أعيد قراءة الرسائل من الأولى إلى آخر رسالة كتبتها. لا أزعم أنني الآن في حالة مثالية، ولكنني على الأقل قادرة على التواصل مع نفسي، قادرة على التعبير عنها.
هذه الرسائل شخصية جدًا وربما لا تفيدك حين تقرأها بشيء؛ لكنها تجربة عمرها عامين مطروحة بين أصابعك ربما تدفعك للكتابة كمحاولة للتعافي.
0 تعليقات