كيف يمكن لشعورنا بالعمر أن يكون مخادعًا لهذه الدرجة يا "رفعت"؟ كيف أرتد لطفولتي في ثوان حين أتعثر في واحدة من صديقات "الابتدائي"، ثم أشيخ في لحظة، بمجرد أن أودع أمي على باب الشقة، لأعود مجددًا، فتاة عاملة كبيرة ومسئولة وليست "آخر العنقود"؟
المؤسف يا "رفعت"، أنه ليس لي بينهم عمر ألوذ به، وقت سعيد أتمنى الهرب إليه، حتى لو توفرت آلة للزمن لن يمكنني العودة إلى زمنٍ مضى، ويبدو أنني لن أتمنى الهرب للمستقبل، وحتى لحظات السعادة التي عشتها كانت مبتورة الفرحة، وتمت تحت تهديد "نكدٍ" ما، فلن يمكنني حتى تجميدها.
يراودني شعور بأن المشكلة فيَّ يا "رفعت"، وليس في ما يحدث لي، في طريقة تقبلي للمشكلات، وفي الإفراط في التفكير في ما يخص المستقبل، وحمل الهم "قبل الهنا بسنة" - كما يقولون.
يوم الأربعاء تعرفت إلى فتاة أخرى تنضم إلى طابور أولئك الذين يشعرونني بالخجل من أوجاعي الضئيلة مقارنة بأوجاعهم. ولكن يا "رفعت"، لا يمكننا أبدًا مقارنة حجم أوجاعنا بمآسي الآخرين.. لا أريد ترديد كلام مكرر يا "رفعت"، أنت بالتأكيد تعرف هذا، أنت تعرف أنه حين تسرق رغيفًا من مخبز من الممكن ألا يلاحظه أحد، ولكن حين تسرق رغيفًا هو كل ما يملكه أحدهم سيعرف بالتأكيد وسيتألم! أنت تعرف أننا قد نملك الدنيا كلها، ونأخذ منها ما لا نتوقعه، ولكننا نظل نحن ونتحسر على الشيء الوحيد الذي أردناه ولم نأخذه.
ابتأست كثيرًا يا "رفعت"، حين تحدثت معها رغم فخري بها، حزنت لأنها تقاتل، وهو لم يكن كذلك، لأنها نجحت في تخطي المأساة، ونحن "اثنان من الكبار البالغين" لم ننجح! حزنت لأنني رأيت النجاة ممكنة ولكننا لم ننج! لم أحزن لأنها نجحت يا "رفعت"، ولكن لأننا لم نفعل! ربما لم نكن صادقين بما يكفي؟ ربما لم يملك أحدنا الإرادة لتحقيق الحلم ذاته، ربما مثلما تقول صديقتي كنت أحب القصة وليست تفاصيلها؟ ربما...
أعرف يا "رفعت"، الكثير عن أن الأفضل هو ما يختاره الله لنا، وأننا أحيانًا ما نختار تعاستنا، وأننا حين تتجسد أحلامنا واقعًا نفقد الشغف بها وقد نكرهها أحيانًا، وفي حياتي الآن خير مثال على قبح ما تمنيته يومًا، ولكنني أعجز عن المسامحة في هذا الحلم!
20 Feb. 2015
0 تعليقات