إلى رفعت.. الرسالة 72



هذه المحاولة العشرون ربما لكتابة هذه الرسالة يا رفعت. عقلي مشوش جدا على الرغم من أنني بخير. أفتقدك وأحاول الكتابة إليك مرارًا ولكنني ﻻ أنجح. وأصبح لدي عشرات المسودات لرسالة تحمل الرقم ذاته وأفكار مختلفة لكنني عاجزة تماما عن التعبير عنها.
أكره جدًا هذه الحالة، وأعرف أنه لن يمكنني تجاوزها إﻻ بما أفعله اﻷن: الكتابة؛ حتى لو كان ما أكتبه كلاما فارغًا ومجرد عبارات متراصة جنبًا إلى جنب. مؤخرًا قررت أن أقاوم بحثي الدائم عن الكمال بهذه الطريقة. دائمًا ما كنت أؤخر اﻷعمال التي أتمنى إنجازها بطريقة مثالية حتى آخر لحظة ﻷنني ﻻ أجد طريقة رائعة ﻹنجازها. وفقط حين يحاصرني الوقت وأجد نفسي مضطرة ﻹنجازها أدرك أن كل ما كان يحول بيني وبينها هو الوهم.
أصبحت أقول لنفسي في النهاية ستقومين بها ولن تكون مثالية، فلتنجزيها اﻵن واستمتعي على اﻷقل بوقتك.
على الرغم من محاولاتي الفاشلة لكتابة هذه الرسالة منذ أيام كان لدي الكثير من اﻷفكار التي أحببت أن أشاركها معك. فكرت فيك مثﻻً حين انتهيت من مشاهدة فيلم "يو هاف جوت ميل" للمرة الثانية. أتخيلك تشاهده إلى جواري وتحاول إخفاء تأثرك برومانسيته، ربما تشعر بالاطمئنان ﻷنك تعلم بالنهاية السعيدة للفيلم بالفعل ولكن هل يمنعك هذا من التعاطف مع أبطاله والبكاء ﻷجلها تارة وﻷجله تارة أخرى؟ هل تشعر مثلي لو أنك تود كشف الحقيقة لها وتطلب منها أﻻ تقسو عليه لهذه الدرجة ﻷنه في النهاية ليس كما يبدو لها؟ هل تشعر بالرغبة في أن تربت على كتفيها وتخبرها أنه لم يخذلها، ولم يغب عن الموعد بل كان أقرب مما تظن؟
عشرات المشاعر عشتها مع الفيلم يا رفعت وكأنني أراه للمرة اﻷولى، وتمنيت مرة أخرى لو أن معجزة ما تضعني في أحداث ولو حتى ﻷحظى بطقس نيويورك في الخريف.
وددت أن أحكي لك يا رفعت عن الطعام الذي أخذه من البيت للعمل وتصفه صديقتي بأنه "أكل طيب" ﻻ تقصد مذاقه وإنما تقصد أنه يشبه اﻹنسان الطيب. أحببت وصفها الذي يعبر بدقة عن سبب حبي لاصطحاب أي شيء من البيت للعمل.أنا أحب البيت وأشعر حين أفعل ذلك أنني أواجه العالم بتميمة من البيت. يمنحني ذلك شعورًا بالطمأنينة يشبه إحساسي بأن أمي تزورني في المدرسة.
أحب البيت وأشعر أن الأشياء يكون لها مذاقًا حقيقيًا فقط داخله. الماء، الشاي، القهوة حتى اﻷكل من طعمي المفضل مذاقه يختلف داخله.
يذكرني تعلقي بالبيت بالقطط، هم أيضًا يرتبطون بالبيت أكثر من البشر وﻻ يبالون مطلقًا بالوحدة طالما يعيشون في بيت يألفونه.
على ذكر القطط، شاهدت أمي ذلك الفيديو الذي حاولت مرارًا نسيانه أو تجاهله لقطة تتمرغ على قبر صاحبتها وكأنها تود إخراجها من داخله. حين شاهدت هذا الفيديو قبل أسابيع بكيت طويﻻً وأبكي اﻵن وأنا أتذكره. ﻻ أحب أن أفكر في تلك اللحظات، ولكن كلما فكرت في موتي أفكر في القطط، هل يفتقدونني؟ هل يتأقلمون مع غيابي؟ هل تزورهم روحي بعد رحيلي مثلما زاروني مرارًا في طفولتي؟ ﻻ أعرف هل نلقاهم في الحياة اﻷخرى أم لا ولكنني أتمنى لو يحدث ذلك ربما ﻻ أشعر وقتها بالوحشة في العالم الآخر.

إرسال تعليق

0 تعليقات