حين قرأت رسالة ريم الأخيرة يا رفعت اكتشفت أن أسوأ ما أفسد عليّ حياتي كان خوفي الذي نهش كل قطعة طمأنينة في قلبي. قُلت لريم حين قرأتها إننى اكتشفت أن حياتي لم تكن مأساوية بقدر خوفي. خوفي كان المأساة؛ والحياة الموازية التي عشتها في مخاوفي كانت أسوأ كثيرًا من حياتي نفسها.
قبل عدة سنوات يا رفعت كانت لديّ أحلام كبيرة، أو كنت أظن ذلك. يسألونني عن أحلامي فأفكر في تغيير العالم، أو تغيير المحيطين بي على الأقل. في بصمة تجعل الناس يتذكرون أنني مررت هنا يومًا ما. ولكنني قبل عامين حين سئلت عما أريده أكثر من أي شيء آخر في هذه الحياة أجبت بلا تردد "الأمان".
أبكي الآن وأنا أدرك إلى أي حد هي أمنية مستحيلة، لا لسبب إلا لأن كل ما يمكن أن يخيفني في هذا العالم موجود فقط في رأسي.
في الكثير من الأحيان، حين أكون غاضبة جدًا وأشعر بأعصابي تحترق شعرة شعرة ألجأ لأخي، يسمعني ثم يسألني باهتمام عن أسوأ ما يمكن أن يحدث لو تحققت أسوأ مخاوفي في الأمر الذي يوترني الآن؟ أخبره بالاحتمال الأسوأ فيسألني وماذا يمكن أن يحدث لو وصلتِ لهذه النتيجة؟ أدرك بنفسي أنه لا شيء مرعب بهذا القدر يمكن أن يحدث فأطمئن. أحاول مؤخرًا أن ألعب هذه اللعبة مع نفسي، أصل في لعبة الاحتمالات لمستوى الوحش، أسأل نفسي عن أسوأ ما يمكن أن يحدث، فأجده جيدًا، أجده في الواقع قرارًا تمنيت مرارًا لو اتخذته لكنني لا أملك من الشجاعة ما يكفي لاتخاذه فأهدأ.
يقول لي الكثيرون أنني سأكون أكثر هدوءًا وأقل توترًا / خوفًا حين أتقدم في العمر. ينضم هذا إلى قائمة الأسباب التي تجعلني أتوق لهذه المرحلة من عمري، ولكنني أخاف فعلاً أن أكبر دون أن أتخلص من هذا القلق المزمن، أتذكر مقولة د.أحمد ـ رحمه الله ـ "أتمنى أن أبكي وأرتجف، التصق بواحد من الكبار لكن الحقيقة القاسية هي أنك الكبار" ويتضاعف خوفي.
كنت أفكر بعدما قرأت رسالة ريم، كم هو مرعب هذا الخوف. أظن يا رفعت أن أصل الشرور، كل الشرور، هو الخوف! أظن أن الجشع، الطمع، الوحشية، الأنانية، التسلط والخسة، كلها في الأساس يحركها الخوف. بينما أفكر في ذلك شاهدت فيلمًا يتحدث عن المعنى نفسه، كان فيلمًا مصريًا من الثمانينيات أو ربما التسعينيات، اسمه حتى "نهر الخوف"، يحكي عن شباب خافوا من أن يواجهوا ظلمًا اتهامًا بالاعتداء على فتاة، فارتكبوا فعلاً جريمة خطف أتوبيس نهري واحتجاز رهائن!
يدللون دائما على غدر القطط بالتهامها أطفالها ولكن الحقيقة أن هذا إن حدث لا يحدث إلا بسبب الخوف.
هو دائمًا البذرة الخبيثة التي تنمو فتصبح غدرًا أو كذبًا أو جبنًا أو قسوة أو أي شيء آخر نحاول، واهمين، أن نحتمي به من الخوف!
هل يمكنك أن تطمئنني يا رفعت؟ هل يأتي يوم ويسكن هذا الوحش؟
painting source: chacoco.tumblr
0 تعليقات