أنا عندي حلم كبير

نضحك كثيرًا من سذاجة وبراءة الأطفال الذين يحلمون أن يكونوا أبطالاً خارقين، ولا ننتبه أبدًا إلى أننا أحيانًا نقع في الفخ ذاته، ونفني عمرنا جريًا وراء حلم خارق لا يناسب إمكاناتنا ولا قدراتنا، والأسوأ أنه في الأصل لا يخصنا ولا نريده لأنفسنا وإنما نريده لنبدو رائعين في أعين الناس.

تمتلئ صفحات الإنترنت وتطبيقات الفيديو باللاهثين وراء الشهرة، متسولي الإعجاب والمتابعة حتى لو اضطروا إلى أن يظهروا كمجانين أو يفضحون أنفسهم أمام العالم. بشكل مواز يبحث الكثيرون داخلهم بنهم عن موهبة متوهمة، يرغبون أن يكونوا أشخاصًا مؤثرين وملهمين، أن يكونوا كتابًا رائعين أو موهوبين في الغناء أو التمثيل أو ربما الرسم، وكأن مجرد كونك قارئًا أو مستمعًا جيدًا أو شخصًا عَادِيًّا لم يعد شيئًا مقبولاً بعد الآن.

في سنوات مراهقتي وما تلتها، كنت دائمًا ما أدون في خواطري وأقول للمقربين مني أن لديّ حلمًا كبيرًا. أحلم بأن أغير العالم، أغير كل ما يحيط بي من سلبيات، وأنني يومًا ما سأترك هذه البصمة التي لن تمحى حتى بعد موتي بعشرات وربما مئات السنوات.

كنت أؤمن أن لديّ هذه القدرة، ولم أسأل نفسي أبدًا بعقلانية عما أريد تغييره بالضبط، ولا كيف سأفعل. كانت عبارة "عندما أكبر" تبدو بعيدة بعض الشيء فلم أفكر كثيرًا ولم أنشغل كثيرًا بالتفاصيل.

حين كبرت وتخرجت وبدأت البحث عن عمل، خرجت من بيت أبي لأن المهنة التي أحبها مستقبلها في القاهرة، واجهت العالم وحدي للمرة الأولى شعرت أنني في ورطة. انغمست لسنوات في محاولات اكتشاف نفسي الحقيقية، نفسي التي تواجه هذا العالم وحدها للمرة الأولى دون الاعتماد على أحد. نسيت لسنوات طويلة حلمي الكبير بأن أغير العالم وشعرت بسبب ذلك بالضآلة. لسنوات شعرت بأنني ضئيلة وأنانية لأنني لا أفكر إلا في كيف أحسن إدارة حياتي والتعرف على نفسي من الداخل وتطوير نفسي وكيف أقف بثبات على الأرض دون الاعتماد على آخرين، ودون أن أصعد على أكتاف آخرين وأفوز في اللعبة بشرف!
هل يبدو الأمر مضحكًا حين تسمعه؟ فكرة أنني شعرت بالأنانية لأنني كنت أهتم بشؤوني؟ لم يكن الأمر مضحكًا بالنسبة لي حتى وقتٍ قريب. حين اكتشف أن أكبر حلم يمكن لأحدهم أن يملكه هو أن يكون شخصا جيدا قدر الإمكان، وأن أمرًا كهذا يمكن أن يحتاج عمرًا بأكمله ليفعله لأنه في كل يوم يكون التحدي أصعب من ذي قبل.

وقعت لسنوات في فخ القلق المرضي وأحيانًا في فخ الاكتئاب، ولكنني أشعر الآن بهذه الراحة التي كتب عنها الأمريكي "وليام جيمس": "إن التخلي عن الطموحات الكبيرة لهو نعمة جالبة للارتياح بمثل قدر تحقيقها تمامًا. تبزغ خفة غريبة في قلب المرء إذا ما تقبل بإيمان طيب ألا يكون شيء مذكور في مجال محدد".

أحاول الآن ألا أخجل من "حلمي الكبير" في أن أكون نفسي . أحاول أن أسدي أكبر جميل للعالم، وهو أن أهتم بنفسي، ألا أكون شخصًا مسيئًا لا لنفسي ولا للمحيطين بي. أحاول ألا أتبنى أحلامًا كبيرة ورنانة وأفني عمري وراءها واكتشف فقط حين أكون على فراش الموت أنها لم تكن أبدًا تخصني، وأن السعادة التي أنشدها حَقًّا كانت في حياة أكثر بساطة من تلك التي غرقت في مطاردتها.

إرسال تعليق

0 تعليقات