أفكارى مشوشة يا رفعت والصمت ثقيل، وذاكرتي خربة أكثر من اللازم لدرجة أنني لا أذكر هل هذه الرسالة الثمانون فعلاً أم أنني أخطئ في العدد. لا أصدق أنني لم أكتب لك منذ مارس الماضي. هل مرت فعلاً 3 أشهر منذ كتبت لك الرسالة الأخيرة؟ أضعت أكثر من ساعة في البحث عن رسالة أظن أنني كتبتها، أظن أنها أعجبت صديقتي وأن هذا أكسبها مكانة مميزة لديّ ولكنني لا أجد شيئًا رغم أنني أذكر جيدًا ذلك الإحساس بأنني أفرغت قلبي لديك ومضيت.
***
في الشهور الأخيرة عانيت كثيرًا من الأرق. عانيت كذلك من النوم المرهق والأحلام الثقيلة على القلب والكوابيس التي كانت تجعلني أبكي خوفًا من النوم. جربت عشرات الحيل لأحظى بنومٍ مستقر وظننت السبب هو عدم خروجي من البيت لأكثر من شهر. الأمر لا يزعجني ولكنني ظننته يزعج جسدي رغمًا عني، خاصة أن كل من أعرفهم تقريبًا لديهم الشكوى ذاتها. ولكنني فوجئت أن الحل أبسط مما كنت أتوقع. كل ما كان يلزمني كي أتمكن من النوم هو أن أكتب. أكتب دون أن أعبأ بمن يقرأ ولا حتى ما أكتبه. فقط حين أفرغت الفوضى فى عقلي على الصفحة البيضاء أمامي توقفت الطاحونة فى رأسي ونعمت بنومٍ هادئ خال حتى من الأحلام، وهو أمر يزعجني قليلاً لأنني أحب أحلامي الغريبة والغامضة.
****
أشعر بالغضب يا رفعت ممن يتكلمون بثقة وتعالٍ عن أشياء لم يجربوها أبدًا، ويحاكمون أشخاصًا لم يكونوا يومًا في موضعهم فقط لأنهم لم يكونوا في موضعهم! يبدون حمقى ومغرورين وقساة كمن ينكر وجود الجوع لأنه لم يجربه أبدًا ويستنكر ألم الجائع ويندهش كيف لا يستمتع بجمال الدنيا ولا يبتسم مثلهم!
كل ما أتمناه يا رفعت أن يمروا بكل التجارب القاسية التي يقولون إنها لا تستحق كل هذا الصخب. أتفهم الآن ذلك الوحش في الفيلم الذي لا أذكره، الذي كان لا يؤذِ أبدًا من اختبروا الألم. ربما كان محقًا ومنصفًا في اختيار فرائسه.
***
أكره الشعور بالعجز يا رفعت. الصرخات المكتومة في الأحلام. العجز عن الاستيقاظ وإنهاء الكابوس الذي أدرك تمامًا أنه كابوس. العجز عن النوم. العجز عن الاستيقاظ من النوم.. العجز عن مغادرة السرير، العجز عن الخروج من المنزل، العجز عن السيطرة على أفكاري، العجز عن التحكم بمزاجي. العجز عن الشعور بالسعادة رغم وجود مسبباتها. العجز عن الشعور من الأساس. العجز عن تقديم المساعدة لآخر مهما كنت أريد ذلك بصدق. العجز عن الاندماج مع الآخرين. العجز عن الاستمتاع بالوقت. العجز عن التذكر. العجز عن الفهم.. العجز عن التوقف عن التفكير. وحتى العجز عن شرح فكرة بسيطة لشخص يجعلني أفهم أخيرًا معنى "قلوبنا غلف".
أكرهه حتى في أشياء بسيطة كـ العجز عن إتمام المكالمة.. عجز الإتصال بالإنترنت.. العجز عن العثور على نتيجة بحثك!
0 تعليقات