كتبت سارة درويش
نشر بجريدة اليوم السابع مايو 2016
"اطمئن لن أحبك" "يجب أن تعرفي أنك لن تكوني يومًا أكثر من صديقة" عبارتان مفعمتان بالتحدي والإنكار لهذه المشاعر التي ربما شعر كل منهما أنها بدأت تنمو داخله، جاءت بعدهما قصة حب رائعة خالفت تمامًا وعودهما ومحاولاتهما للإنكار.
وبعيدًا عن الأدب والشعر خلدت قصة الحب الرائعة هذه اسمي "عبلة الرويني" و "أمل دنقل" بشكل خاص في قلوب المحبين الذين لا يزالون يتبادلون حتى الآن الخطابات القليلة المتبادلة بينهما والتي نشرتها "عبلة" في كتابها الجنوبي.
ربما وقعا فى الحب من اللحظة الأولى، فعبلة قالت "من اللحظة الأولى سقطت كل المسافات والادعاءات والأقنعة، وبدا لي وجه صديق أعرفه من زمن"، ورغم وعدها الممتزج بالتحدي له "اطمئن لن أحبك" ربما كانت تعرف داخلها أنها ستحبه.
أما هو، الجنوبي الذي عرف النضح مبكرًا و"اغترب فى السابعة عشرة عن كل ما يمنح الطمأنينة" والذي اعترف فيما بعد أنه كان يستغرق فى الحب لكنه يهرب من التمسك به، فربما شعر بالقلق من تلك المشاعر التي بدأت تدب داخله، وهو ما دفعه فيما بعد إلى أن يقول لها في لقائهما الرابع دون مقدمات "يجب أن تعلمي أنك لن تكوني أكثر من صديقة!".
هذا التحذير الذى استفز عبلة، كما قالت فى كتابها الجنوبي، هو نفسه الذي فضح مشاعره تجاهها وجعلها توقن أنه أحبها، وجعلها غضبها من تحذيره تدرك أنها أيضًا أحبته.
وكان "أمل" حسبما تصفه "عبلة" "شديد الصلابة كالجرانيت الصخري، لا يهتز سريعًا بل يصبح من الصعب إدراك طبيعة الفرح أو الحزن من ملامحه وجهه ومن نظرات عينيه، فهو قادر دائمًا على كتمان انفعالاته بل وأحيانًا على إظهار عكسها. لا يفصح عن مشاعره ولا تدخل قواميسه عبارات الإطراء وألفاظ الحب. إن إخفاء مشاعره وكتمانها سمة غالبة عليه؛ وعلى الآخرين وحدهم إدراكها دون إفصاح منه".
لم يكن "أمل" شاعرًا رومانسيًا إلا أن ما تركه وراءه من عبارات نثرية قصيرة جدًا كانت فحوى خطاباته لعبلة يعكس الكثير عن صورة الحب والزواج كما يفهمه أمل دنقل، كذلك حديثه عن عبلة فى الفيلم الوثائقى "ذكريات الغرفة رقم 8" الذى تم تصويره في فترة مرضه.
"في الحب أطلب ولاءً مطلقًا"
في خطابه لعبلة كتب "دنقل": كنت أستغرق في الحب لكننى في صميمي كنت هاربا من التمسك به، وأحيانا كانت تصرفاتي واختباراتي لمن أحب توحي للناظر من الخارج بالجنون، ونقلت لك منذ البداية أنني أطلب ولاء مطلقا؛ لكنني قلت لك أيضا إنك لو عرفتني جيدا فلن تتركيني.
إنني أحس بالرقّة النبيلة التي تملأ أعماقك كسطح صافٍ من البلور، لكنني أخشى دائماً أن يكون هذا مؤقتاً لقد علمتني الأيام أن القلب كالبحر لا يستقر على حال.
"الحب وسادة في غرفة مغلقة"
في الخطاب نفسه، وردًا على اتهامها له بالمكر والدهاء دافع "دنقل" عن نفسه: إنني لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك، لأن الحب وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي، إنني أحب الاطمئنان الذي يملأ روحي عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء.
"الحب أن أكون معك كما لو كنت مع نفسي"
معنى آخر للحب كتبته في خطابه "إنني لا أبحث فيك عن الزهو الاجتماعي ولا عن المتعة السريعة العابرة، ولكني أريد علاقة أكون فيها، كما لو كنت جالسا مع نفسي فى غرفة مغلقة".
"الزواج أن أكون اثنين في مواجهة العالم"
في كتابها "الجنوبى" كتبت عبلة "ظل الاطمئنان الكامل هو جوهر ما يبحث عنه أمل فى علاقاته"، كانت تقصد بعباراتها كل العلاقات الاجتماعية وصداقاته لكن الأمر نفسه ينطبق على علاقته بها التي أشارت إلى أنه كان دائمًا "يبحث عن تأكيد دائم ويقين وراحة واطمئنان لا ينتهي".
وربما حصل "دنقل" على هذا الاطمئنان أخيرًا بزواجهما، إذ قال في الفيلم الوثائقى "حديث الغرفة رقم 8" الذي تم تسجيله وقت مرضه "فى حياتى عمرى ما حسيت بكلمة الفرح دي إلا لما اتجوزت... حسيت إني أصبحت اثنين في مواجهة العالم مش واحد".
0 تعليقات