"ما تزعلش مني أنا خايف عليك.. ويا بخت من بكاني وبكى عليا"، "مع احترامي ليك بس أنا مش قادر أسكت.. الساكت عن الحق شيطان أخرس"، "فكها شوية يا عم إحنا بنهزر في إيه"، "هو إحنا مش أصحاب ولا إيه ده من عشمي"، "أنت اتضايقت كده ليه.. أنا بسأل فضول مش أكتر"، "طالما مشهور تبقى حياته مش ملكه" بالتأكيد سمعت واحدًا من هذه الردود والمبررات كلما حاولت أن تبدي تذمرًا على تدخل أحدهم في شئونك الخاصة، وتبرع دون أن تطلب، فرض رأيه عليك و"التنظير" على خياراتك والطريقة التي تدير بها حياتك، أو على حياة إحدى الشخصيات العامة، سواء عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة أو حتى وجهًا لوجه.
هل يسوق محبو دس أنوفهم في شئون الآخرين هذه المبررات لأنفسهم أو للناس في كل مرة يتدخلون فيها فيما لا يعنيهم؟ أعتقد أنهم لا يفعلون. هم لا يفكرون أصلاً في الأمر، ولديهم شعور عميق بالاستحقاق يجعلهم لا يرددون هذه المبررات إلا حين تعترض على ما يفعلونه وتسأل أحدهم باستنكار: "أنت مالك؟" أو تقولها على استحياء آملاً أن يصلهم المعنى نفسه، حينها ينزعجون ويخرجون فورًا مبرراتهم الجاهزة التي يقتنعون بشدة بها، حتى أن ترديدها لا يستغرق منهم ثواني للتفكير ويهاجمونك لأنك لبجاحتك تحتج على تدخلهم في شئونك!
في كتابه "أنت مالك" الصادر عن دار كيان للنشر، فند الكاتب الصحفي وشاعر العامية أشرف توفيق، كل هذه المبررات وهو يحاول أن يجيب على السؤال الذي يكاد يدفعنا إلى الجنون هذه الأيام: "لماذا يدس البعض أنفه في شئون الآخرين؟" بأسلوب سلس ورصين ولا يخلو من خفة الدم.
حلل من خلال الكتاب العديد من الظواهر الاجتماعية التي يتضاعف إزعاجها وخطورتها مع زيادة انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من إساءة تفسير وتنفيذ وصايا الأديان بأهمية التناصح والتغافل عن آداب النصيحة، حتى تحولت من خلق حسن يرقى بالناس وبالمجتمع، إلى أمر بغيض ومنفر يعمق الخلاف بين الناس وأداة يستغلها البعض ليتعالوا على غيرهم ويشبعون نقصهم بـ"التنظير" على حياة الآخرين.
ومثلما ذكرنا الكاتب بفضل النصيحة ذكرنا كذلك بآدابها وشروطها وكيف يمكن أن يصنع كل منا لنفسه "ميزانه الحساس" قبل أن يقدم نصائحه هل هي: نصيحة في السر؟ عن علم؟ تقدمها بتواضع؟ هناك من طلبها أم أنك تفرض رأيك عليه؟ تقدمها بابتسامة وود؟ تهون الخطأ على المنصوح؟
تطرق كذلك إلى الخلط الشهير بين خفة الدم وإذابة الجليد بيننا وبين الآخرين، وبين جرحهم وتخطي حدودهم الشخصية، والتدخل في أمورهم الخاصة، الذي في الكثير من الأحيان يسبب جروحًا عميقة وأذى نفسيًا كبيرًا لا يمكن إصلاحه بسهولة.
حلل الكتاب الأسباب النفسية وراء "شهوة الفتي" لدى الكثيرين، وانتشار "حراس الفضيلة" الذين يحاصرون الناس ليل نهار ويتدخلون في أدق شئونهم ويحاسبونهم عليها، والذين بالمناسبة لا يسلمون هم أنفسهم من الفعل نفسه، ما يجعلهم في الكثير من الأوقات لا يعيشون الحياة التي يريدونها ولا يقولون ما يؤمنون به فعلاً لأنهم يخافون أن تطالهم حراب زملائهم من "حراس الفضيلة".
وأجاب الكتاب على سؤال مهم آخر هو "لماذا يقبل الناس مثل هذه التدخلات من الآخرين في حياتهم الشخصية؟ ولماذا لا تكون إجابتهم دائمًا على مثل هذه التدخلات هي الإجابة العظيمة السحرية..."أنت مالك؟ "وأوصى كل من يفعل بأن يكون أكثر توازنًا في التعامل مع الناس، فلا يتعامل مع من يقدم النصيحة لأنه يريد له الخير بفظاظة وقلة ذوق، ولا يتعامل مع من يهينه بدعوى النصيحة بتخاذل وخنوع، مشيرًا إلى أن الفرق بين هذا وذاك بسيط للغاية وهو "هل التزم بآداب النصيحة أم يتجاوز في نصيحته؟ "حينها لا ينبغي أن ترد عليه بأكثر من" أنت مالك".
رابط المقال على موقع جريدة اليوم السابع
0 تعليقات