"انتهى المشوار" كان هذا ربما شريط الكاسيت الوحيد الذي اشتريته، فقد صدر في مرحلة فاصلة، حين فقد إخوتي الأكبر مني شغفهم بمطربي المفضل ولم يهتموا بشرائه ولا تسجيله أو نقله من أحد الأصدقاء كسابقيه، ولم أشترِ بعده بعد أن غزت مشغلات الـ MP3 الساحة وأصبح بالإمكان الاستماع إلى الأغنيات بصيغها الرقمية دون الحاجة للكاسيت.
رغم كل شيء لم تنجح السنوات واندثار الكاسيت في محو ذكرياته داخل أجيال عديدة آخرها ربما جيل التسعينيات. فبمجرد الإعلان عن حفل كاسيت 90 ضمن فعاليات مهرجان العلمين عادت كل الذكريات دفعة واحدة إلى الواجهة، مصحوبة بابتسامة وتنهيدة حنين إلى الماضي، إلى ذلك العالم الذي لن يعرف عنه GenZ شيئًا.
الكوكتيل المنزلي
يتذكر الكثيرون بالطبع شرائط "الكوكتيل" التي طرحتها العديد من شركات الإنتاج وشهدت ميلاد الكثير من نجوم الغناء لعل أبرزهم الآن الفنانة شيرين والفنان تامر حسني. ولكن بعيدًا عن اختيارات شركات الإنتاج كان هناك العشرات بل المئات من شرائط الكوكتيل الموازية التي يصنعها كل عاشق للموسيقى على ذوقه. ورغم أن عملية التسجيل على شرائط الكاسيت لم تكن سهلة إلا إنها كانت ممتعة جدًا للكثيرين الذين يتفنون في مزج الأغاني وترتيبها بطرق مختلفة كأنها تحكي حكاية معينة، أو تعبر عن حالة مزاجية معينة وكثيرًا ما كان يتبادلها العشاق كتذكارات حب مميزة لا تنسى.
الشريط سف؟
هذه الكلمة التي أصبحت مجرد ذكرى وإفيه خلده فيلم "ظرف طارق" وربما لا يفهمه الجيل الجديد في حديثنا الآن. هذه اللحظة المؤسفة حين يخرج الشريط الممغنط عن مساره وبالتالي يتحول الصوت إلى نشاز ويحتاج إلى إعادة ضبط. وهنا تبدأ عملية إنقاذ حساسة جدًا لإخراج الشريط المصاب من براثن المشغل ومحاولة إعادته إلى مساره الطبيعي باستخدام وسيلة مساعدة غالبًا ما تكون قلم.
سكوت هنسجل
في مرحلة سابقة لمرحلة مشغل الكاسيت المتطور الذي يمكنه تشغيل الموسيقى والتسجيل في آن واحد كانت طريقة التسجيل لسنوات تتم باستخدام مشغلين، أحدهما عليه الشريط الذي نحتاج إلى نسخه، والثاني الشريط الفارغ الذي نريد ملئه. تحتاج هذه العملية إلى إخلاء البيت غالبًا لأنها تتطلب هدوءًا تامًا ورفع صوت الموسيقى إلى الحد الأقصى لنتمكن من نسخ الصوت بأفضل جودة ممكنة.
صوت الونس
في زمن "الفويس نوتس" التي ننزعج منها ونسخر من أصحابها إن طالت عن الدقيقة، كيف يمكن أن نتخيل ملء شريط كاسيت كامل بصوت الأحباب الغائبين لنأتنس بهم؟ في السبعينيات حين سافر الكثير من المصريين لمطاردة لقمة العيش في الغربة واشتروا أجهزة الكاسيت هدية لأسرهم وجدوا في شرائط الكاسيت بديلاً مثاليًا عن الخطابات فقراءة الرسائل بخط الأحبة يختلف كثيرًا عن الائتناس بصوتهم. فضلاً عن أن الكثير من العاملين المغتربين أو ذويهم لا يجيدون القراءة والكتابة، مما يجعلهم بحاجة إلى وسيط في كتابة الخطابات أو قراءتها. وهكذا كانوا يسجلون الرسائل الصوتية الأطول على الإطلاق ويرسلونها لذويهم إما بالبريد أو عبر وسيط، خاصة أن المكالمات الهاتفية كانت مكلفة جدًا والهواتف غير متوفرة في كل منزل.
عشرات الذكريات الدافئة والممتعة والمرحة تدور ببالي حين أفكر في "شريط الكاسيت" فضلاً عن تذكر نجومه، وككل جيلي والأجيال السابقة لا يمكن اختصارها في سطور فلكل منا معها حكاية تجعلها أكبر وأهم من مجرد وسيط لنقل الصوت والموسيقى، ويجعلها تعيش في قلوبنا للأبد.
0 تعليقات